المدير العام صاحب المنتدى
رقم العضوية : 1 الجنس : الدولة : عدد المساهمات : 731 نقاط التميز : 5242 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 01/05/2012 العمر : 40 الموقع : www.nador-rif.hooxs.com
| موضوع: الطاغوت كما صوره القرآن السبت مايو 19, 2012 8:29 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الطاغوت كما صوره القرآن[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الطاغوت: مفردة من مفردات القرآن، وللقرآن الكريم مفرداته الخاصة التي انفرَد بها، والتي ليس لبعضها وجود في اللغة العربيَّة بهذه المعاني، ومعلوم أنَّ القرآن جاء ليُبدِّد، وجاء ليُجدِّد، جاء ليُبدِّد كلَّ التصوُّرات الجاهليَّة؛ سواء ما كان منها متَّصلاً بالدِّين، أو بالعادات، أو بالتقاليد والأعراف، والإسلام جاء؛ ليُجدِّد الحياة بما يَضمن سعادة الإنسان، وهداه في الدنيا والآخرة. والطاغوت كما صوَّره القرآن عِلَّة العِلل، فما أفسَد دنيا الناس وآخرتهم إلاَّ الطاغوت، وهو الذي جعَل الناس يعيشون عيشة ضنْكًا، ويُحشرون يوم القيامة عُميًا؛ ولذلك كان تحذير القرآن كأشد ما يكون التحذير من هذا الطاغوت، وبوجوب إزاحته من طريق الناس؛ حتى تستقيمَ أمورهم، ويَسعدوا في دنياهم وأُخراهم. والطاغوت من الطغيان، وهو مُجاوزة الحد، ولقد تَجاوَز الطاغوت حدَّه، وتعدَّى قدْره، فزعَم أنه فوق البشر، وزعَم أنه يُعبدُ من دون الله، وأنه يَشرع للناس ما لَم يَأْذن به الله، وأراد للبشر أن يُقدِّموا كلامه على كلام الله، وفِكره على هُدى الله، ذلك الطاغوت الذي أرادَ أن يكون حجابًا وحاجزًا بين الخلْق وبين الخالق؛ لعدم إفراد الله بالتوحيد والعبوديَّة. ولقد سمَّاه القرآن طاغوتًا، وليس طاغية، وهو لفظ ثقيلٌ يوحي للسامع بمدى تجاوُز الطاغوت كلَّ حدٍّ، وكما هو مقرَّرٌ في اللغة، فإن زيادة المبنى تدلُّ على زيادة المعنى. زعَم الطاغوت أنه شَريك لله، وله من الصفات ما لا ينبغي أن يكون إلاَّ لله. التحذير من الطاغوت:تحدَّث القرآن وندَّد بهذا الطاغوت في ثمانية مواضع: البقرة (256 - 257)، النساء (51 - 60 - 76)، والمائدة (60)، والنحل (36)، والزمر (17). والذي يتدبَّر هذه الآيات، يتعرَّف على ملامح هذا الطاغوت بوجهه الكالح، وكلامه القبيح، وفكره المُختل، وعقله المعتل، ففي سورة البقرة يقول الحقُّ - عز وجل -:﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]. ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257]. وقد ورَدت هذه الآيات بعد آية الكرسي التي هي سَنام القرآن؛ أي: تمام القرآن وقِمَّته، وهي الآية التي تَشرح عقيدة المسلم في عشر جُملٍ مُفيدة، ولا تكاد تُوازيها آية في هذا التناوُل، إلاَّ تلك التي في سورة الشورى، وهي الآية الخامسة عشرة، وليس هناك آية أخرى في القرآن كلِّه، تتكوَّن من عشر جُملٍ مُفيدة، إلاَّ هاتين الآيتين. فآية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]. وآية الشورى: ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [الشورى: 15]. آية الكرسي: تتحدَّث عن العقيدة الإسلاميَّة من وجهة النظر العلميَّة، وآية الشورى تتحدَّث عن العقيدة الإسلاميَّة من وجهة النظر العمليَّة، في الأولى تعليم، والثانية تطبيق، في الأولى تربية، والثانية تنفيذ وتخطيط، وحركة لنشْر العقيدة الإسلامية على كافَّة الأصعدة وفي كلِّ الاتجاهات. في سورة البقرة - وبعد أن بيَّن الله العقيدة السليمة، ووضَّحها لعباده - قال: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]. ومعنى هذا: أنه لا بدَّ أوَّلاً من بيان العقيدة السليمة للناس؛ حتى يتبيَّن لهم الرُّشد من الغي، ثم نقول بعد ذلك: لا إكراه في الدِّين؟ ولا يَصح مُطلقًا أن نفهمَ هذه الآية مقطوعة عمَّا قبلها وما بعدها، فهذا فَهْمٌ مُشوَّه، وفهْمٌ مَغلوط، ولا يَصِح، فكيف يكون لا إكراه في الدين، بينما نرى الأفواه مُكمَّمة، والأيدي مغلولة، والأرجُل تَرسِف في القيود، بل والكفر يقوم بعمليَّة إكراهٍ للناس على اعتناق الكفر، أو الارتداد عن الإسلام؟! نقول: لا إكراه في الدين بشرط ألاَّ يكون هناك إكراه للخروج من الدين، لا إكراه في الدين في حالة أنَّ الكفر يعيش في حدوده، لا يُقيم العَقبات في طريق الدعاة إلى التوحيد، افتَحوا لنا الطريق أولاً؛ ليتعرَّف الناس على دين الله، ويتبيَّن لهم الرُّشد من الغي، وبعدها قولوا: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾. ولنتدبَّر الآن قول الله: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ... ﴾. هذه الآية هي الإسلام كله، هي الدين كله، هي رسالة محمد والنبيين جميعًا، لَم يَنزل كتابٌ، ولَم يُبعث نبيٌّ إلاَّ بها، قامت الحروب من أجْلها، ومن أجْلها خلَق الله الخلقَ، ومن أجْلها قامَت السموات، وبُسِطت الأرض، ومن أجْلها خُلِقت الجنة، وخُلِقت النار. معناها هو معنى لا إله إلاَّ الله - نفي وإثبات - لا إله: كفر بالطاغوت، إلاَّ الله: إيمان بالله، والكفر بالطاغوت مُقدَّم على الإيمان بالله، أمَّا أن تُؤمن بالله مع إيمانك بالطاغوت، فلا إيمان لك ولا خيرَ فيك، والكفر بالطاغوت يحتاج إلى معرفةٍ عظيمة بجهاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهاد النبيِّين قبلَه في مُحاربة الطاغوت. ملامح وصفات الطاغوت:والطاغوت حرباوي الطبيعة، يتلوَّن باختلاف الزمان والمكان، ويَظهر في كلِّ مجتمعٍ بشكل مختلف، وبلونٍ مختلفٍ، وبلغة مختلفة، وله في كلِّ عصر فلسفة وأسلوب ومنهج، فهذه هي ملامحه، فأحيانًا يكون الطاغوت حاكمًا، وأحيانًا يكون مُدَّعيًا للمعرفة بالله، أو فيلسوفًا، أو مفكرًا، أو رجلَ قوانين، ومُشرِّع للناس مناهجَ تُخالف شرْع الله، ورُبَّما أيضًا يكون الطاغوت مُدَّعيًا للمعرفة بالله، أو مخلوعًا عليه من الصفات ما لا يكون إلاَّ لله. والطاغوت له طبيعة الناس، وله صفات الناس، يموت كما يموت الناس، ويَمرض كما يَمرض الناس، يأكل ويشرب ويتبرَّز، كما يفعل الناس، ثم يَزعم للناس أنه يَملِك حقَّ التحليل والتحريم، وأنه صاحب حقٍّ في تشريع المناهج التي تُخالف شريعة الله، بزعْم أن ذلك للمصلحة الإنسانية، والحقيقة أن ذلك لَم يكن إلاَّ لذلِّ الإنسان وتردِّيه وهلاكه. ولهذا يقول الله: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ﴾، ثم يقول: ﴿ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ﴾، فقد قدَّم الله - عز وجل - الكفر بالطواغيت على الإيمان بالله. والله - عز وجل - لَم يَتركنا فريسةً لهذا الطاغوت، ولكنَّه حدَّد لنا طريق النجاة، ومدَّ لنا حبله المتين وعُروته الوثقى؛ ليتمسَّك بها الغرقى، فمَن تمسَّك بها، نجا، ومَن فرَّط فيها، هلَك؛ ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]. وهو نفس المعنى في الآية 22 من سورة لقمان: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22]. هدف الطواغيت: ونَنتقل إلى الآية 257 من سورة البقرة: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257]. هذا هو هدف الطواغيت، محاولة مستميتة؛ لإخراج الناس من النور إلى الظلمات، الله يُخرجنا من الظلمات إلى النور، وهؤلاء يريدون أن يُخرجونا من النور إلى الظلمات، وتدبَّر لفظة الظلمات، تجد أنها ما ورَدت في القرآن إلاَّ في صورة الجَمْع، ولفظة النور ما ورَدت إلاَّ بصيغة المفرد، فطريق النور واحد، والطريق المستقيم واحد، أمَّا الظلمات، فإنها كثيرة ومُتراكبة؛ ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]. ظلمات في العقيدة، وظلمات في الأخلاق، وظلمات في العادات، وظلمات في السياسة، وظلمات في العلاقات الاجتماعية والدوليَّة، ظلمات، ظلمات، ظلمات متراكبة؛ كما أشار المولى - عز وجل. مَن هم أولياء الله؟لا بدَّ من التعريف بأولياء الله، مَن هم؟ وما الفرق بينهم وبين أولياء الشيطان؟ ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا... ﴾ [البقرة: 257]، هذه الآية تُعطينا معنًى رائعًا في فَهْم معنى الولاية، ومكانة الأولياء. يقول الحقُّ - عز وجل - في سورة يونس: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64]. هذه الآية تُحدِّد مَن هو الوَلي، والولي: هو المؤمن التَّقي، والإيمان لا يَعلمه إلاَّ الله، وكذلك التقوى، التقوى ها هنا، وأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره. والتقوى: عملٌ من أعمال القلوب، لا يطَّلِع عليها أحدٌ، ولا يَعلمها أحدٌ؛ ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32]. وقد مرَّت آية سورة البقرة: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا.... ﴾، لتُعلنَ أنَّ كلَّ البشر أولياء؛ إمَّا لله، أو للشيطان، ولا ثالث، فليس للولي شعار يُعرَف به أو علامة تُميِّزه، الولي: هو مَن تولاَّه الله بمحبَّته، وهذا لا يَعلمه إلاَّ الله وحده، لا أحدَ على وجْه الأرض يَستطيع أن يَحكمَ على الآخرين أو على نفسه بالولاية من عدمها؛ لأنها غيبٌ من غيب الله. وقد يقول قائل: فما بال أسماءٍ معيَّنة نعرف أنهم أولياء لله؛ كأبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم. فنقول له: عرَفنا ذلك من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يَنطق عن الهوى، وقد أخبَره ربُّه بأوليائه. بشَّرهم الله بأنهم: ﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ... ﴾، عليهم هم، وليس على زُوَّارهم، ولا مُلتمسي البركة منهم، ولا على المُعتكفين، ولا على مَن يَطوف بهم، أو يَذبح لهم، أو يدعوهم من دون الله. وبشَّرهم أيضًا بأن ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى.. ﴾، لهم هم، وليس للمفتونين بهم. ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مرض الموت، يُحذِّر من الفتنة بالصالحين، وكان يقول وهو على فراش الموت - وقد طرَح خَميصة على وجْهه، حتى إذا اغتَمَّ بها رفَعها -: ((لعَن الله اليهود والنصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجدَ...)). كان يُحذِّر مما صنَعوا. وقال - عليه الصلاة والسلام - لَمَّا أخبَرته أُمُّ حبيبة وأُمُّ سلَمة أنَّ في أرض الحبشة عدة كنائسَ فيها تصاويرُ، قال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، بَنَوْا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور))، ثم قال: ((أولئك شِرار الخَلْق عند الله))؛ متَّفق على صحَّته. المدح الكاذب وصناعة الطواغيت:نقرأ في سورة النساء: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 49]. وقد حكى القرآن تفاصيلَ حياة اليهود بدقَّة ليس لها نظيرٌ؛ تحذيرًا لنا من هذا الوباء القاتل، فمن صفاتهم أنهم زعماء المدح الكاذب، وتَزْكِيَة النفس بما ليس فيها، والمجاملة بغير حقٍّ، والمُداهنة وخِداع الناس. لذلك يَنهى الإسلام عن المدح الكاذب؛ فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((احْثُوا التراب في وجوه المدَّاحين))، فإذا أردتَ الثناء على أحدٍ، فقل: "الله حسيبه، ولا أُزكِّيه على الله". وقد كَرِه النبي - صلى الله عليه وسلم - الإطراء ونَهى عن ذلك، فقال: ((لا تُطروني كما أطْرَت النصارى المسيح ابن مريم))؛ لأنَّ الإطراء - وهو المبالغة في المدح - يؤدِّي إلى التقديس، ويكون مدخلاً للكفر، مدَحوا عيسى، وبالَغوا في مدْحه؛ حتى عبَدوه. ولقد نُهِينا أن يكون لنا في هؤلاء أسوة، فهل استجَبنا إلى هذه النصائح؟ أبدًا، فما زِلنا نَسمع من يقول: السلام عليك يا نور عرش الله، فهل كان عرش الله مُظلمًا؟! وهناك أيضًا مَن يُردِّد أنَّ محمدًا هو أوَّل خَلْق الله، مُستشهدًا بحديث مكذوبٍ ومنسوب لجابر بن عبدالله، وفيه أنَّ ساق العرش مكتوبٌ عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأنَّ آدمَ حينئذ دعا الله بمحمدٍ، فقال الله له: "يا آدمُ، أما وقد دعَوتني بمحمدٍ، فقد غفَرتُ لك"، وهذا كذبٌ وافتراء على الله ورسوله، وتضليل لهذه الأُمة. والمدح مُفسد للدنيا، ومُفسد للدين، وكان أبو بكر إذا سَمِع مَن يَمدحه، قال: "اللهمَّ لا تُؤاخذني بما يقولون، واغفِر لي ما لا يعلمون، واجْعَلني أحسنَ مما يظنون". ماذا يفعل المدح في حياة الناس؟كان الشاعر في أيام الدولة الفاطميَّة يقف أمام الحاكم ويقول: وجاء شاعر العصر الحديث ليقول راثيًا عبدالناصر:قَتَلْنَاكَ يَا آخِرَ الأَنْبِيَاءِ فإذا كان عبدالناصر آخرَ الأنبياء، فماذا يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان الشعراء قالوا هذا قديمًا، فالإعلام يقول هذا حديثًا بأقلامٍ قادرةٍ على التلوُّن والنفاق، هذه الأقلام لا بدَّ أن تتطهَّر، ولا بدَّ أن تَعرف أن الكلمة أمانة. ولأن الآلة الإعلامية واقعة تحت سيطرة اليهود والصِّهْيونية العالميَّة، فنجد أن الإعلام يسير على هُداهم في تضليل الناس، وتبديل الحقائق، وإفساد الفطرة، فلقد كان كفَّار مكَّةَ أرقَّ قلوبًا من اليهود، وأقربَ إلى الهدى والحقِّ منهم، بدليل أنهم دخلوا جميعًا في دين الله، وكان كفار مكةَ قد سألوا اليهود قائلين: "يا معشر يهود، أنتم أصحاب كتابٍ، أنحن أهدى أم محمد؟ فقالوا: أنتم"؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ﴾ [النساء: 51]. ونَستكمل الآيات التي تتحدَّث عن الطاغوت:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60]. هذه الآيات نزَلت؛ لتتحدَّث عن الطاغوت في مجال الحكم والتشريع، ولا يكون المسلم مسلمًا ولا المؤمن مؤمنًا، إذا أقرَّ بشرعٍ غير شرْع الله، ولَمَّا نزَلت آية التوبة ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.. ﴾ [التوبة: 31]، قال عَدي بن حاتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما كنَّا نَعبدهم، فقال له: ((ألَم يُحلُّوا لكم الحرامَ، ويُحرِّموا عليكم الحلال؟))، قال: نعم، قال: ((تلك عبادتكم إيَّاهم)). جاء في إنجيل متَّى؛ لبطرس: "وأنت صخرتي، وعليك أبني كنيستي، ما حلَّلته في الأرض، أنا أُحله في السماء..". أمَّا في الإسلام، فالتشريع لا يكون إلا لله، التحليل والتحريم حقٌّ لله، المنع والإباحة حقٌّ لله، ولا يكون ذلك حتى إلى رسول الله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1]. وكلُّ حلالٍ أو حرامٍ على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو بتشريعٍ من الله. ثم نأتي إلى قول الله: ﴿ يَزْعُمُونَ ﴾، والفعل "زعَم" مطيَّة الكذب، ولا يأتي في القرآن إلاَّ بمعنى الكذب؛ ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ﴾ [التغابن: 7]. وهؤلاء زعَموا أنهم آمنوا بالقرآن، بكلام الله، بشرْع الله، فلماذا تُفرطون في هدْي الله وشريعته؟! مَن يدَّعي الإيمان بالله، فعليه أن يَلتزم بكلام الله، ويُقِرَّ بأن القرآن شريعةٌ وعقيدة، وأخلاق وعبادات، ليس القرآن كتابُ جنائز، ولَم يَنزل القرآن؛ ليُقرأ على الموتى، وليس حجابًا، وليس شيئًا من هذا، بل هو كتاب حكيم أنزَله الله؛ ليَحكم البشرية؛ ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105]. الكتاب يَحكم والرسول يَحكم، السلطة لا يَمنحها إلاَّ الله، السلطة والسلطان لله وللقرآن. ثم انظر إلى كلمة ﴿ يُرِيدُونَ ﴾، فهم ما زالوا يُفكِّرون، وهم قوم أقلُّ منَّا شرًّا، نزَلت هذه الآية في المنافقين وهم أشدُّ الناس عذابًا؛ لأنهم في الدَّرك الأسفل من النار، ومع ذلك كانوا أقلَّ منَّا شرًّا؛ لأنهم كانوا يُريدون؛ أي: في منطقة الإرادة، أمَّا نحن، فقد تحاكَمنا إليه ورَضِينا به، جِئنا بطواغيتَ من جميع الأجناس؛ إنجليزية، وفرنسية، وهنديَّة، حتى من عُبَّاد البقر؛ ليَصنعوا لنا تشريعات ومناهجَ نَسير عليها. هؤلاء أرادوا التحاكُم إلى الطاغوت، وقد أُمِروا أن يَكفروا به، ويريد الشيطان أن يُضلَّهم ضلالاً بعيدًا - أي: بعيدًا عن الصراط المستقيم - والضلال البعيد معناه الضلال الذي لا رجوعَ منه؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 61]. والعجيب أن أحدًا من هؤلاء لَم يسأل نفسه: إلامَ ندعو الناس؟ هل ندعوهم إلى كلامنا أم إلى كلام الله؟ هل نريد أن يَنقاد هؤلاء لنا أم لله؟ نحن ندعو الناس - كلَّ الناس - إلى تحكيم كتاب الله، والتسليم والانقياد لله ولرسوله؛ ليكونوا عبادًا لله دون غيره. نحن نُقيم الحُجة على هؤلاء، ونقول: أيُّ الكلام أعدلُ وأقومُ وأحكمُ؟ كلام الله ورسوله أم هذه النُّظم التي ما أنزَل الله بها من سلطان؟! مَن أعزُّ عليكم: محمد أم ماركس؟! محمد أم جان جاك روسو؟! محمد أم نهرو؟! لماذا يَرفض هؤلاء محمدًا؟! لماذا هو محذور أن يدخل بيوتنا وبلادنا في الوقت الذي يدخل فيه كلُّ صاحب مِلَّة مزوَّرة، وفكرٍ مُنحرف؛ ليعيش بيننا بالفساد، ويَرتع هنا وهناك؟! ماذا يقول المنافقون ردًّا على دعوتهم إلى الله ورسوله؟! وما هو منطقهم المُعْوَج؟! إنهم يقولون: هذه الدعوات إنما هي رجعيَّة وتخلُّف، وجَرٌّ لعقارب الساعة إلى الوراء، وجمودٌ وانحطاطٌ، وألفاظ غاية في السفالة والانحطاط، وقلَّة الأدب! والذي يردِّد هذا الكلام هم أصحاب المَنفعة، الخائفون من المَضرة؛ لأن محمدًا إذا ظهَرت كلماته في الأرض، ستَسقط قِممٌ وتتهاوى أصنامٌ، وتُقطَّع أَيَادٍ، ويُرجم زُناة؛ لأنَّ محمدًا لا يُفرِّق بين شريف وضعيف، كلُّهم أمام الشرع سواءٌ؛ فالزناة يرفضون واللصوص يرفضون، والمُرتدون يرفضون، كلُّهم مَرعوبون من الاحتكام إلى شرْع الله. إذًا؛ فليَسكت محمد، ولتتكلَّم الشياطين، المنافقون في عصرنا لهم صَوْلة، ولهم جولة، ولديهم أبواقٌ يُصوِّرون فيها المعروف منكرًا، فتجد نفسَك معاديًا لأصحاب المعروف، وتَراهم يُقدِّمون الخيانة في صورة جذَّابة وبرَّاقة، تَحملك على التعاطف مع أصحابها، وعقاب هؤلاء في الدنيا أنهم يتساقَطون في الفِتن وتتوالَى عليهم المصائب؛ ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ... ﴾ [التوبة: 126]، وليس لديهم مانعٌ في كلِّ مرَّة يكتشفون فيها كارثة أفكارهم وأنْظِمتهم أن يُغيِّروها إلى غيرها، ولكنَّهم أبدًا لا يُفكِّرون في العودة إلى كتاب الله. فهم يُغيِّرون بحُجة أن هذا توفيقٌ للأوضاع ودَمْجٌ للأنظمة وللقوانين من أجْل مصلحة الناس، وبالتالي يأتي هذا التوفيق على حساب شريعة الله؛ ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وكيف إذا أصابَهم الخِزي والعار؟ والحل مع هؤلاء: الإعراض عنهم - ومن المصلحة أن نُعرض عنهم - مع وعْظهم وإقامة الحُجَّة عليهم؛ ﴿ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 63]. ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 64]. لماذا نُطيع الرسول ولماذا نحبُّه؟ هل بيننا وبينه قرابة؟ هل رأيناه؟ هل هو من بلدنا؟ الإجابة: نحبُّه؛ لأنَّ معه إذنًا من الله، وما دام معه إذن من الله، أحبَبناه، ولأنَّ أبا لهبٍ معه مَقْتٌ من الله، مَقَتناه وأبغضناه. ما هي علاقتنا الآن برسول الله؟ إنها مجرَّد مديحٍ أجوفَ، ومحبَّة مُدَّعاة، وفديناك بأرواحنا نقولها باللسان، ونُردِّدها أشعارًا في المناسبات، ونَقتصر في احتفائنا به على أكْل الحلوى في ذكرى مولِده. لَم نسأل عن صلاته، وكيف صلَّى؟ ولا عن زكاته، وكيف زكَّى؟ لَم نَسأل عن أخلاقه، وكيف كانت؟ ولا عن جهاده، وكيف كان؟ لنُجاهد مثله، لَم نجعل منه إمامًا لنا نحبُّه ونُطيعه، ونَحتكم إليه ونَقتدي به! السبيل إلى التوبة وشروط الإيمان:ما هو السبيل إلى توبة هؤلاء الذين رفَضوا حُكم الله ورسوله؟ لا شيء سوى الاستغفار والتوبة، والانقياد لله ولرسوله، غير أنَّ كِبْر هؤلاء منَعهم من ذلك؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5]. ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64]. ويُقسم الله: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ.. ﴾ [النساء: 65]، لا يُؤمنون إلا بثلاثة شروط:1- ﴿ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء: 65]. 2- ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا ﴾ [النساء: 65]؛ أي: تكون مُستبشرًا بحُكم الله ورسوله. 3- ﴿ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ أي: تسليمًا ظاهريًّا بعد التسليم الباطني. ثم نأتي إلى آية سورة النساء: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]:وفيها: لماذا يُقاتل المسلم؟ ولماذا يُقاتل الكافر؟ المؤمن يُقاتل في سبيل الله، والكافر يقاتل في سبيل الطاغوت. جاء في تفسير الطبري: الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأيْقَنوا بموعود الله لأهل الإيمان به؛ ﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، يقول: في طاعة الله، ومنهاج دينه وشريعته التي شرَعها لعباده، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ﴾، يقول: والذين جحَدوا وحدانيَّة الله، وكذَّبوا رسوله وما جاءَهم به من عند ربِّهم؛ ﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ﴾؛ يعني: في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي شرَعه لأوليائه من أهل الكفر بالله. ويُحذِّرنا الله من مُوالاتهم؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 144]. لماذا نُواليهم من دون المؤمنين؟ ولماذا نَخشاهم من دون الله؟ إنه ضَعف الإيمان ومرَض القلوب؛ ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ [المائدة: 52]. شرار الخلق عَبَدَة الطاغوت:في الآية 60 من سورة النساء يقول المولى - عز وجل -: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60]. هذا وصْف القرآن لليهود، وقد يقول قائل: وهل مدَحهم التوراة أو الإنجيل؟أبدًا؛ فهذا وصْفُهم في إنجيل متَّى، إصحاح (2). "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتِلة الأنبياء وراجِمة المرسلين، إليها كم مرَّة أردتُ أن أجمعَ أولادك كما تَجمع الدجاجة فراخَها تحت جناحَيْها، ولَم تُريدوا، هو ذا بيتكم يُترَك لكم خرابًا". ووصَفهم أيضًا بالحيَّات أولاد الأفاعي:وفى سفر العدد: "حتى متى أغفر لهذه العصابة الشِّرِّيرة المُتذمرة علي". وفى سفر العدد أيضًا: "في هذا القفر تَسقط جُثثكم جميعًا، المعدودون منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدًا، الذين تذمَّروا علي، وبنوكم يكونون رُعاة في القفر أربعين سنة، ويَحملون فجوركم". فهذا هو حال عبَدة الطاغوت الذي يُحذِّرنا منه الله - عز وجل. وننتقل إلى سورة النحل وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]. كل الأمم وكلُّ الأنبياء حذَّرهم الله من عبادة الطاغوت - وذلك كما ذكَرنا - لشرِّه، ولسوء عاقبة أتْباعه في الدنيا والآخرة. وأخيرًا وفي سورة الزمر 17، تكون البشرى لِمَن تبرَّأ من الطاغوت، من عبادته، ومن ولايته، ومن طاعته؛ ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17- 18]. فهؤلاء هم أولياء الله، والمُستحقون لبُشراه. سبحان ربِّك ربِّ العزة عمَّا يَصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين. | |
|